الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

السبت، 22 أكتوبر 2011

تكست - العددالمزدوج 15-16 / رسالة الطير نص للشاعر جبار الكواز


رسالة الطير

نص ّ / جبّار الكوّاز

خطوتي زمنٌ

وظلالي قفصٌ

ووردتي دخانٌ

ولم يكن المكانُ خلوة ً ولا مقيلا ً

ففي شروق الظلام

روحي تهومُ

لقد استيقظ الجنون ُ

فصارتْ تصارعُ فضّته ُ بالكلام ْ

الاجنحة

سارية

سانية الظلام

أجنحة ٌ من حجر ْ

أجنحة ٌ من مطرْ

أجنحة ٌ من لهيبْ

أجنحة ٌ من هواءْ

أصار ظلي موطنا ً لشهقةِ الغيوم ْ؟

لم يكن الحجرُ مطرا ً

ولا اللهيبُ هواءً

ولكنّ المناقيرَ غابة ٌ

والمناقيرَ دم ٌ

والمناقيرَ ترابٌ

والمناقيرَ عصفٌ

والمناقيرَ ضبابٌ

والمناقيرَ قارعة ٌ

ولم يكن الدمُ ترابا ً

ولا العصفُ قارعة ً

ولا الرصيفُ ضبابا ً

وما كانت الخوافي سوادا ً

وهي سواق ٍ

وهي بحارٌ

وهي قبورٌ

وهي آبارٌ

وهي سراديبٌٌ

ولم تكن السواقي قبورا ً

ولا البحارُ آبارا ً

القوادم

ت

هـ

لـ

ك

ة

ولا السراديبُ قوادمَ

فالقوادمُ سوادٌ وهي بياضٌ

والقوادم احمرارٌ

وهي اخضرارٌ

والقوادمُ اصفرارٌ

ولم يكن السوادُ بياضا ً

ولا الاحمرار اخضرارا ً

ولا الاصفرار سوى نباح

والسربُ حجرٌ

ــ كيف نعلق حجرا ً في جناح؟

والسربُ مطرٌ

ــ كيف يسرقنا المطرُ في دموع الصيف ؟

وهو هواءٌ

ــ كلُّ هواءٍ فناء ، أين قبورُنا من عهد عاد ؟

فالسربُ دخانٌ

ــ لا تدخن المقاهي إلا أرواحنا.

ــ دع الجناح

فلقد بتر الربُّ ظلالنا .

دع المنقار .

كلُّ منقار حَبة ُ بُرٍّ نابتة ٍ في التراقي

دع الخوافي

فالملأ من آل فرعونَ أفردوا لها النيلَ فضاء ً

دع القوادم

لا خوالفَ لها ولا خوارجَ في أزقةَ لا غالب إلا الله

دع السربَ ، فلا مكان َ له إلا فيه

قل : الروحُ جغرافيا

الجسدُ تاريخٌ

وهو فان ٍ

كلُّ خطوة فيه تسرق ُ حلمَ جناح

كلُّ جناح ٍ منه يمنح أعيننا سرقة أقباس

كلُّ قبس ٍ اليه لا يملأ القربة بغيث مرارته

كلُّ مرارةٍ تفتح لنا خطاب الوصايا اليهوية

كلُّ الوصايا مشردونَ أو لموا جرحَ المعاني

كلُّ المعاني فيه رواحلُ للسناء

أين السناءُ؟

لقد دسته العيون بمكر في الكلام

لقد ازدردته المناقيرُ جيفة ً في البراري

لقد أنبتته القوادم عوسجة ً في غابة ملح

لقد لوثته الخوافي بصراخ الرماد

لقد شتته الآفاق كغيوم خُلب

لقد خلبه الدم فصار إله

لا تقل : الدربُ جغرافيا

والرصيفُ تاريخٌ

لـ ( الشواهين والبوازي والصقور والنعام ...

اللقالق والبجع والبط والوز والبش ...

الفواخت والسمان والحمام والدراج ...

الديكة والدجاج وحمام الحسين ...

العصافير والبوم وأبو الزعر والغراب ...

السنونو والزاجل وأبن فرناس ...

الهدهد والبلبل والشقراق والوروار )

من يخلع جناحه لا يدخل باب حطة

حرّاس الأجنحة نائمون في قيلولة النرجس

وباترو المناقير جهزوا حبالهم لشنق أحلامهم

ولا قطو القوادم حذروا الهواء من صفقات السوق

وناتفو الخوافي صنعوا كيمياء المعنى من مشعرات عاناتهم

وماسكو الهواء فجروا أقفاصهم سجنا ً لأكاذيبهم

لقد صار الجناحُ خطوةً من تراب

المناقيرُ مزنة ً ضيزى

القوادمُ هودجُ أميرة

والخوافي مهفة يهودي

السانية صامتة ٌ

والكلام ُ صائمٌ

والإشارات بُدَنٌ

والأجنحة طردت قوادمها وخوافيها في عيد الأضحى

فكيف نرسم الأغاني باحتساء الضجيج ؟

قال (مهاتنار) حارس الأقانيم::

[ حين خلق الله الأقانيم قسّم أرزاقها فأمرها أن تأكل كلّ ما يمر من مثيلها في سماء روحها ، هكذا قالت ألواح التابوت : كن فيكون

فأين التراب من الماء ؟

أين الهواء من النار ؟

أين الماء من الهواء ؟

وأين النارُ من التراب ؟

حذار ِ ، حذار ِ ، فالسيل فأرٌ والحبلُ بئرٌ والأماني دخان والأفق رسلٌ وسفراءُ لا يخالفون ما أومروا وهم على عهودهم باقون ]

قال حزب من السرب : [ أقصد الديكة والدجاج والنعام وابن فرناس ]

أجنحتنا غصة فلا تسمن من جوع

ولا تكسي من عري

لقد حق القتلُ على جوعنا والظمأ على كسوتنا

أفصار الإنسان ديوكا ً ودجاجا ً ونعاما ً وفرناسا ً يمشي في الأسواق ؟

كيف نعبرُ الأقانيم ؟ !

وأجنحتنا وليمة ٌ

وقوادمنا خائنة ٌ

وخوافينا صدى

ومناقيرنا هباءٌ

أقنوم التراب

تساقط ُ أجنحة ُ الحجر [ الحجرُ ثرثرة ٌ ]

أجنحة ُ المطر [ المطر ُ عاقر ٌ ]

أجنحة ُ الهواء [ الهواء زنجي ]

أجنحة ُ التراب [التراب ُ نَعَل ٌ ]

أجنحة ُ النيران [ النيران قرى ]

مزمار

المناقير

تتهشم مناقير الدم

مناقير العصف

مناقير القارعة

مناقير الضباب

تُنْتَف ُ قوادم ُ السواد ( أبياضٌ كانت ؟ )

قوادم ُ البياض ( أسوادُ كانت ؟ )

قوادم ُ الاحمرار ( لم تكن جرحا ً )

قوادم ُ الاخضرار ( زحفت الصحراء عليها )

قوادم ُ الاصفرار ( أخطأ الرسام لونها )

الخوافي

علامات

تُقْلـَعُ خوافي السواقي

خوافي البحار

خوافي القبور

خوافي الآبار

خوافي السرداب

كان التراب يلفظ أنفاسه

و ( مهاتنار ) يحصي ذراتنا بذرارينا ذرة ذرة

كاللئام على مائدة الأيتام

لم يكن التراب ُ ماء ً

ولا التراب ُ هواء ً

ولا التراب ُ نارا ً

فالماء والهواء والنار غدواتٌ

والتراب غاص في بئر الآس فشربه المهربون

أقنوم الماء

كان يا ما كان . . . . .

[ بحار وسواق وأنهار وآبار وأهوار وبحيرات ودموع ولَعاب وبول وعرق وخمور وعسل وصودا ولبن و . . . ]

لقد مسك البحر ُ دمعة الشواهين

وشربت السواقي عرق البوازي

ونحرت الأنهار دم اللقالق

وخدّرت الآبار ذراق البجع

وأوقدت الأهوار هديل الحمام

ودثرت البحيرات بكاء الفواخت

وسرقت الدموع زقزقة العصافير

ورال اللعاب غناء البلابل

ومزج البول تويج الهدهد

وخلط العرق نحيب البوم

وأسكرت الخمور نظرة الصقور

وسمّمَ العسل طعم السمان

ومزّقت الصودا خوف الدراج

وخمر اللبن حمائم الحسين والسنونو والبط والوز والبش والزاجل

مرّوا فوق خد الماء سكارى وما هم بسكارى

كانت الأمواج تغني

وتوقد أترجتها بالإشارة

ولم تكن الطيور تفتح حكايتها في خيال التراب

فالأمواج سارقة ٌ

والمياه أ ميرة ٌ

والآفاق إبِلٌ

تكيل بصواعِها سلالة البدو ووليمة الكلأ

أقنوم النار

وحينما سمع ( مهاتنار ) ضجيج الطير بكى مرآته

أيقن أن الشظايا لا طائل منها ولا ربح

ــ الشاهين : أنا ، أنا وأنت أنت

ــ البازي : جناحاي عاصفة وبصري حديد

ــ اللقلق : ساقاي جريدتان وجناحاي غنيمة

ــ البجع : أنا بعض من مائدة الغرماء

ــ الحمام : لقد هاجرت الحدائق ودحرج الهديل

ــ الفاختة : أين أختي الساكنة الحلة

ــ العصفور : وا حسرتاه

ــ البلبل : يا ليتني قفصا ً في برية

ــ الهدهد : سقط التاج وأمحت المملكة

ــ البوم : كل زمن نحيب وكل مكان فناء

ــ الصقر : سأمرق كالسهم من كفن القناص

ــ السمان : جناحاي أترجة وأفخاذي غناء

ــ الدراج : جسدي حقل وخطواتي وقر

ــ أبو الزعر : يا ريشاتي كوني بردا ً وسلاما ً

ــ حمام الحسين : كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء

ــ السنونو : ليتني كنت مقيما ً لا مهاجرا ً

ــ البط : أين الماء ليشعل لهيبي

ــ الوز : مرآة صوتي وحروف تعبي

ــ البش : ليتني اتخذت من الماء إماما

ــ الزاجل : احترقت رسالتي فأين رأسي ؟

ــ أبن فرناس : باعه الشمع بعد أن خانه الجناح

أقنوم الهواء

الجناح بعض خفقة

المناقير عظمة عفنة

القوادم ريشة محروقة

الخوافي زغبٌ محشوش

السرب أفعى في أقانيم خرفة

كان الهواء طيرا ً

والتراب طائرا ٌ

والنار طيورا ً

ولم يكن الماء ليرمم نفسه من ضحاياه

حاول أن يصنع مرآة غديره

كانت

عيناه

قبضته

مسك الخفقة

والعظمة

والريشة

والزغب

وقال : كن فما كان

حاول أن يرسم سربا ً بلسان الطير

خانته المرآة

لم تكن طيرا ً

ولا بشرا ً ولا حيوانا ً

ولا جمادا ً

كانت شيئا ً ولا شيء

و( مهاتنار ) ضاحك في سفر الأقانيم

يرى ما لا يرى

يسمع ما لا يسمع

ويقول ما لا يقال

لقد : أتخم اقنوم التراب فصار جبلا ً ( بلا قمة )

وفاض اقنوم الماء فصار تيهورا ً (بلا نوح )

وأجج أقنوم النار فصار جهنمًَ ( بلا حساب )

وعصف اقنوم الهواء فصار روحا ً

تتجول بين خرائب الأقانيم

ــ أين الشاهين ؟ ( البوازي والصقور والبواشق شواغلها فضاء )

ــ أين اللقلق ؟ ( البجعة والرخ ملتا حكايات الليالي )

ــ أين الحمام ؟ ( البط والوز والبش والفواخت والدراج والسمان ألقوه في الجب وجاءوا عشاءً يبكون )

ــ أين العصفور ؟ ( البلبل وأبو الزعر والسنون باعوه لأناشيد الحروب )

ــ أين أبن فرناس ؟ ( حاوره الهواء ورفعه الشمع ساقطا ً كحصاة )

ــ أين الزاجل ؟ ( بحجابات غجرية ضيعه ابن فرناس في خارطة البلدان )

من يمسك الصدى ؟

فالضفة الأخرى غيبٌ اُوقِر ساحلها بالأسرار

سانية الضوء

كانت الطير تنازع

كانت الطير أشلاء

كانت الطير روحا ً

لا ماء له ولا تراب ولاهواء

وله النار

والروح محلقة ٌ ضوءا ً عابرا ً في الأفق

ــ أشمسا ً كانت أم قمراً ؟

ــ أنارا ً هي أم قبسٌ ؟

ــ أبرقا ً طلت أم لهبا ً ؟

تلك زرابي وأنهار من عسل لذة ً للشاربين

هناك عبقري حسان وولدان مخلدون وحور عين

هنالك أشجار من طلح ونخل وأعناب وزيتون وإبا

ثمة أرائك من فضة وذهب ولؤلؤ ومرجان

أرى تيجانا ً من دُرٍّ وياقوت عظام وجماجم حسان

أولائك دروب تنز قطران

وأخرى تنبع أنهاراً فراتا ً عذبة

وأخرى ملح أجاج

ذاك عين الكأس

كاللجة في خباء الصمت

والخباءُ روح ٌ

والروحُ طير ٌ

ينظر الى أقانيمه

ويعدد قتلاه برثاء صلاة الغائب

جاءت سِنة الحساب

طقطقت المناقير ، فما من يسمع

هفهفت الأجنحة فما من يحس

وأسرت الخوافي فأذيعت أسرار الناس

وأعلنت القوادم فأسر الروح خيمته بأوتاد الخيبة

لم يكن ضوءا ً بحجاب

أو حجابا ً بضوء

كان روحا ً ترفرف في أجنحة معناها

والرسالة درداء

حواشيها صمم

فمن يفضح سرّها في التابوت

لا تقل الروح جغرافيا

والجسد تاريخ

كان ( مهاتنار) يضحك

يضحك

يضحك

حلـــة في 15/10/2007م

ملاحــــظة

1ـ (مهاتنار ) أسم منحوت من الحروف الأولى للعناصر : ماء ، هواء ، تراب ، نار.

2ـ النصّ محايث لـ ( منطق الطير) لابن العطار

العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق