الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الأحد، 23 أكتوبر 2011

تكست - العددالمزدوج 15-16 / مثولوجيا أدوار العالم- كتب خزعل الماجدي


مثولوجيا أدوار العالم

*خزعل الماجدي

لم تقتصر الأسطورة على سرد حكايات الآلهة ونشوء الكون وأصل الأشياء ، بل تعدتها الى اقتراح تأريخ دوري للوجود يبدأ من بداية الخليقة وينتهي بنهايتها ، ولايكاد دين على وجه الأرض يخلو من تصور دوري لهذه الخليقة وهذا الفناء .

وسنتناول هنا الصورة العامة التي رسمتها أسطورة الزمن الدوري ورموزها المعروفة .

انقسم الزمن الدوري الواحد للعالم إلى أربعة أدوار تناولتها علوم الفلك والتنجيم والأساطير والأديان بعامة، وانعكست تطورات هذه الحقول عن أدوار العالم في بعضها. وصار لزاماً علينا تناولها في شكلها المتداخل هذا،فقد انقسمت أدوار العالم إلى أربعة أدوار كبرى هي:

1.الدور الذهبي:

وهو الدور البدئي حيث بداية التكوين والخليقة، وهو الدور الذي تظهر فيه الإلهة الأم الخالقة الأولى (عند السومريين نمّو وعند البابليين تيامت).. وتتم في مراحله الأولى خلق الآلهة، وفي هذا العصر تسود النزعة القمرية ويكون الفردوس هو مكان هذا الدور، ويسمى (ربيع العالم) حيث تظهر أساطير الربيع والولادة والشجرة كرمز مركزي وظهور البطل الإلهي .

وعلى المستوى الفلكي تكون فيه السماء والأرض في بدايته متطابقان ويكون ما قد تقرر في السماء قد انطبع أو تقرر على الأرض، وهكذا فإنه بعد انفصالهما.. تظهر النزعة الفلكية التي تقول بأن الأقدار والمصائر الأرضية لها ما يقابلها في السماء من رسم ونجوم وخطوط وأفلاك. ويكون الفلك والتنجيم علماً واحداً.






والأرض الفردوسية هي الأساس في هذا العصر ولذلك يكون التراب هو العنصر الفعال. ويكون الاعتدال الكوني شاملاً حيث تتطابق كل الأشياء والأفلاك مع بعضها وتتطابق درجات الدائرة الـ360 درجة.

رمز الخليقة : ويعني انفتاح دائرة الأوروبوروس وتحررها من الدائرة المغلقة

2. الدور الفضي:

وهو الدور الذي تكون فيه الخليقة قد اكتملت و يسود فيه البطل الذكوري، وتتحول الإلهة الأم إلى إلهة عذراء متقلبة، عاشقة ومحبة في نصفها الأول وقاسية ومدمرة في نصفها الثاني، لكن الذكر (الإله أو البطل الإنساني) هو السائد ، ويسمى هذا الدور (صيف العالم) حيث يشهد صعود النزعة الشمسية ويكون العنصر الأساس هو النار ويمثل الإله شمش أو الإله البابلي مردوخ هذا العصر تماماً وتمثله عشتار الانثى في مقابل ذلك.

ويقوم الإله الشمسي بقتل أو سجن الإلهة الأم الترابية المائية الظلامية ، وتظهر مثل هذه الأساطير دالة على انهيار المرحلة الهيولية الفوضوية الكاؤوسية وبدء المرحلة الكونية المميزة النظامية المضيئة . ولعل أسطورة الخليقة البابلية هي النموذج النوعي لمثل هذه الأسطورة التي توضح كيف انتقل العالم من الفوضى الى النظام وكيف سيطر الإله البطل الشمسي الهوائي على العالم .




وعلى المستوى الفلكي، حيث يستقل علم الفلك ويقوم بدراسة اتضاح نجوم وأفلاك السماء وحركتها ودورانها. وتظهر الأبراج السماوية كشكل من أشكال خطوط الطول والعرض السماوية التي تتقرر بها اتجاهات السماء وحركة الشمس والقمر، والنجوم والأفلاك.

أما علم التنجيم فيبدأ بالربط الملفق بين النجوم والملوك ، وييسر منجزات علم الفلك للبلاط الرسمي أو يتدنى به إلى المستوى الشعبي.

وحقيقة الفيزياء الكونية (بعيداً عن علمي الفلك والتنجيم) هي نضج واكتمال تكون النجوم والأفلاك وحركتها المنتظمة. وذروة نطاقها الهندسي والرياضي حيث الاعتدال الفلكي.

3.الدور النحاسي:

وهو الدور الذي بدأت فيه جذوة العالم بالهبوط وظهرت أساطير التدمير واختطاف الآلهة والأبطال إلى العالم الأسفل لفترات قصيرة أو طويلة. إنه دور (خريف العالم) حيث تتغلب فيه القوة القاسية الهدامة للإلهة الأنثى وتقوم بأدوار الاختطاف والتدمير انتقاماً من تهميش دورها في العصر الفضي وجعلها منطقة للمتعة واللذة فقط.

ولعل أساطيرالحركة من وإلى العالم الأسفل، وأسطورة إيرا وأسطورة هبوط عشتار إلى العالم الأسفل البابلية تمثل أساطير هذا الدور . وفي هذا العصر يسود علم التنجيم والسحر ويتنحى علم الفلك وتزداد مكانة التنجيم الأسود إذا صح التعبير حيث النجوم والأفلاك ترتبط بالعالم الأسفل وعالم الموت وأغلبها ينذر بالويل والثبور وتزداد مساوئ الناس وتكثر الفتن ويصعد التنجيم الشعبي إلى ذروته أما علم الفلك فيعتني برصد الحركات الشاذة والغريبة للنجوم والأفلاك.

وتظهر في الفيزياء الكونية حركات النجوم والأفلاك باتجاهات الشمال والجنوب بعيداً عن مواقعها المألوفة.. وتموت بعض النجوم ويختفي بعضها الآخر.

4.الدور الحديدي:

وهو دور الموت الذي يبدأ بظهور النذير والتحذيرات من قدوم الخراب الشامل والتدمير الكلي للحياة، ويظهر علم الاسكاتولوجيا (علم الموت) وهو يحصي أساطير وطقوس وعقائد الموت.

على مستوى الآلهة يموت الكثير منهم ويختفي نهائياً في العالم الأسفل، وعلى مستوى الطبيعة تستقبل الطبيعة دماراً شاملاً عن طريق أحد العناصر الأربعة الخلقية الأولى وهي في مرحلتها الغاضبة المدمرة (الماء للطوفان، النار للحرائق الكبرى، الهواء للعواصف الكاسحة، الأرض للزلازل والبراكين). ويمكن أن نطلق على هذا الدور (شتاء العالم).

أما على مستوى الإنسان فإنه يتحطم ويموت ويغرق أو يحترق أو يعصف به أو يدفن في الأرض.. ويعود إلى أصله وهكذا يسود هذا العصر الطوفان بشكل خاص.

كما تظهر أيضاً أساطير ومحاولات خداع الموت مثل أساطير البحث عن الخلود (كلكامش، آدابا إيتانا..إلخ)

وتظهر الإلهة الأنثى في ذروة بطشها حيث تقوم في آخر مراحل هذا الدور بالالتفاف على نفسها والعودة ثانية تدريجياً إلى السكون والهيولي.


ليليث أو أرشكيجال وهي هنا الإلهة عشتار في طورها الشتائي الليلي

وهي تتحول إلى الهة ليلية محاطة باللبوتين والبومتين

وعلى المستوى التنجيمي والفلكي لا يعود هناك أثر لهذين العلمين ، أما الفيزياء الكونية للعالم فتكون فيها النجوم والكواكب أما على مدار السرطان السماوي وعند ذاك تنخفض كل الأشياء وتعود إلى أصلها وتتحول إلى ماء.
وأما على مدار الجدي السماوي حيث تتصاعد الأشياء وتلتهب وتتحد بالنار وتفنى بها.

وإذا كان الإنسان في العصر الذهبي قد خلق وتكون فإن البابليين أطلقوا على اليوم الأول الذي خلق فيه الإنسان الأول (أومو) وهو يشير أيضاً إلى بدء العصر الذهبي وبدء الخليقة بأكملها. ووصف السومريون والبابليون ثلاثة أماكن أساسية لحلول الإنسان في العصر الذهبي الفردوس هذا هي (دلمون) و(أدنو) و(دوكو)، وكانت دلمون هي الأرض التي لا موت ولا مرض ولا شيخوخة ولا حزن ولا ظلم فيها وهي أرض البحرين التي كانت مدينة من المدن السومرية الجنوبية في الخليج العربي. أما (أدنو) فهي عدن ومعناها (الأرض السهل) وهي عموماً ما بين النهرين، أو الأرض الواقعة على حافة المياه قرب مصب النهرين دجلة والفرات في الخليج العربي. وكانت تغمرها الأهوار وكان الإنسان سعيداً. وقد أخذتها الأساطير العبرية وأنشأت منها أسطورة جنة عدن وآدم وحواء.

بعد هذا الزمن، أي في الزمن الفضي يسقط الإنسان من الجنة أو من السماء تعيساً معاقباً مطروداً من قبل الآلهة والسقوط هنا هو رمز العقاب. ولكن الإنسان يقوم بمعونة الآلهة ببناء الأرض والمدن تساعده الآلهة عندما تمنحه النار والزراعة والمعادن والمعول (الفأس).

لكن الإنسان يرتكب الخطيئة دائماً فتغضب الآلهة وتقوم بإنزال أنواع العقاب المؤقت عليه وينفجر العالم الأسفل بين حين وآخر عليه ليبتلع منه أفواجاً ويسود العصر النحاسي الذي هو عصر التدمير.

وبعد ذلك يحلّ عصر نهاية الإنسان ويفنى الإنسان كلياً (لكن نخبة مختارة قليلة تنقذ عادة لتعاود بداية العصور من جديد) ويدخل البشر في عالم الموت ويحل اليوم الأخير من أيام الخليقة وهو (يوم الحشر) حيث تجتمع درجات الدائرة 360 في المركز وتفنى السعادة وتنكمش الحياة وتتحول إلى عدم.

وقد رمز العراقيون الأوائل لأدوار العالم بفصول الكون الأربعة التي تناظر فصول الأرض ، وقد صوروها على لوح طيني يظهر فيه جلجامش وهو يحمل عصا الملوكية وتعلوه رموز الفصول ، فالربيع رمزه الهلال(سين ) والأفعى (الألهة الأم نمو أو تيامت ) ، والصيف رمزه الشمس ( الإله شمش ) ، والخريف رمزه جرة الماء أي الإله إنكي أو إيا ، والشتاء رمزه السمكة التي ترمز هي الأخرى لإنكي ولنانشة أيضا .

أعطى البابليون أهمية خاصة لأدوار العالم وطبيعة العالم والآلهة والإنسان فيها عبر الكثير من أساطيرهم ومدوناتهم التراثية الدينية والتنجيمية والفلكية. لكن الكتاب الغربيين (تبعهم الكتاب العرب في ذلك) نسبوا هذه الأدوار إلى اليونان وربما إلى الفكر الغربي المعاصر لكننا وضعناها هنا بالشواهد البابلية الدقيقة.. وسنعود لهذا الموضوع في كتب أخرى لنناقشه موسعاً وشاملاً.

*شاعر وباحث عراقي

العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق